السبت، 11 سبتمبر 2010

طفل صغير




كان يتساءل دوما في أعماق أعماق نفسه مذ أن كان في سني الطفولة الأولى أنا أكبر وكل شيء من حولي يكبر .. كل يوم أرى عرس شهيد إذن نحن جميعا سنموت ومهما شاهدت من ضحكات الجيران وسمعت زقزقات العصافير فإني أعود دوما من جديد لارتشاف دمعات أمي التي تترك في قلبي آثارا قاسية دامية لا أقوى على تحملها إذن فإن الحزن دوما يعود من جديد .. أنا سأكبر بالتأكيد فما الذي يحمله لي القدر وماذا سأكون يوم أن كبرت! هل سأتمكن من تحقيق ما تصبو له نفسي أحب الطهر ولحظات القدسية والسمو وأحب كل شيء هادئ في هذا الكون الجميل لحظات السماء الصافية ونسمات الهواء الحنونة إذ تداعب وجنتيك وصفحة وجهك وتترك هدايا من احمرار أرنبة أنفك وبرودتها وكأنها قطعة ثلج كل شيء في كلمة استقامة جميل لكن أنا وعلى الرغم من كوني ذاك الطفل الصغير الذي يتهم في كثير من الأحيان أنه لا يفهم أشعر أنه من الصعب جدا أن أتمثل هذه الكلمة في حياتي ما دمت أتعامل مع البشر! وإنه من السهل جدا أن أقوم بذلك ما دمت أتعايش مع نفسي وروحي ومع الجمادات والكون .. الطير والحقول والأزهار والأشجار! إن الكبار يثرثرون كثيرا لذلك فهم لا يعلمون شيئا يرددون الكلام الذي يقتنصونه قنصا من كل حدب وصوب لذلك فهم دوما يرددون الترهات ولا يحملون أنفسهم عناء التأكد مما يقولون كثيرة هي أحكامهم وكلها أحكام باطلة على كل شيء من السهولة بمكان لديهم أن تتهم طفلا أنه صغير على الفهم لكنهم لو أنهم دخلوا في أعماق روحه لفهموا أنهم لم يعلموا يوما شيئا!


كلما رقي الإنسان كلما خطأ حكمه وقل إدعائه أن المعرفة النهائية لديه وأن الحق معه وأن الحقيقة محتكرة لديه..


يا ترى كم من البشر لازال يتخلق بخلق الأولين فيرى الحق كل الحق لدى غيره الذي يخالفه إلا أن الحقيقة التي توصل إليها في سني بحثه أوصلته إلى رأي غيره عله يكون صوابا لكنه بكل تأكيد يحتمل الخطأ لذى فإن كل الرحابة والسعة لغيره الذي يؤمن يقينا بخطئه لكنه مع ذاك يحتمل الصواب ..


كل تلك التساؤلات كانت تحوم في عقل الطفل الصغير كان يشعر بالأنس مع نفسه والسلام لكنه كان يشعر بالغربة مع البشر هل هو مصاب بداء الوحدة أو التوحد ضحك من الفكرة ..


في الوطن كل شيء يدخل في نفسه أحاسيس من البهجة والفرح تعدل أعراسا وأفراحا ذات نشوة ..


رائحة الطريق التراب المعفر أصوات لعب الأطفال بالكرة أصوات المارة أصوات البائعين بكاء أمهات الشهداء فرحا وفخرا بأعراس أولادهم للجنان ..


في الوطن كان كل شيء يشعره بالمحبة وبالسكن الذي بحث عنه في وجوه الناس فما وجده إن كل الأجوبة التي يريد يستطيع أن يتحصل عليها من هناك إن المعرفة التي ينشد يجدها في وطنه الذي يعشق إن نبضات الوطن تعني له الحياة والنماء والحب


علمه الوطن أن يكون عزيزا وأن يحب العزة


علمه الوطن أنه أرض الأنبياء وأنه لن يعود إلا باستعادة سيرتهم ..


ويا أيها البشر الذاهلون عن معاني المحبة والأنس الحقيقة حتى متى تتنكرون لهذا الوطن الجميل


حيث أجمل معاني الحياة فيه


حيث كل أبواب الجنة فيه


من أراد السعادة فليعمل له وليتأمل جمال بحره وجوه وحبات تربه


كان الطفل الصغير يمارس حياته الاعتيادية كما يريد الكبار مسايرة لهم رغم أنه يؤمن أنه يفتقد لشيء كبير في حياته إن النور الذي يبحث عنه مازال مفقودا إن السر التي تتعطش روحه للارتشاف منه لازال بعيدا إن الغاية التي يريد أن ينذر كل ذرة من كيانه لها لازالت تناديه!


هو يريد شيء آخر لا يريد تلك الحياة الاعتيادية


لا يريد الجلوس للثرثرة والسمر لم يفكر يوما في الحفلات والرحلات رغم أنها جميلة ولا بأس فيها!


لقد أراد الوصول للسماء كل شيء فيه كان يشده للأعلى وكل شيء فيه كان يمنعه عن الالتصاق بالأرض ..


هذا الطفل الصغير تأمل الأرض تأمل التاريخ تأثر كثيرا بقصص الأحبة وعاش فصولها بحث عن الحقيقة عندما قرأ قصة سلمان وبكى حتى تورمت عيناه عندما ودع الفاروق في محراب الصلاة .. اللهم شهادة في بلد نبيك أجيبت كما أراد وارتجفت روحه من شجاعة العتيق الصديق حين انتفض ينافح عما أتى به المصطفى صلى الله عليه وسلم من أمر هذا الدين في الزكاة في أمر لا يتم بناء الإسلام إلا به


كان يشعر أنه يحبهم يحبهم يحبهم وأنهم كبار وأنه صغير لكنه يحبهم


كانت اللطائف الخفية تنير له دربه كلما أظلم كلما تاه فتح له الحنان المنان طريقا يخرجه مما استحكم الحزن فيه على روحه وجثم على صدره وذرف له الدموع


كان يشعر بامتنان منقطع النظير له للواحد الأحد الفرد الصمد الذي لولاه لكان كما كان يوما ما "لم يكن شيئا مذكورا" كل البشر كانوا يوما ما عدم لقد كنا لا شيء لقد كنا لا شيء فخلقنا الله وأكرمنا وأعطانا عينين نبصر بهما وأعطانا يدين ورجلين وأعطانا روحا تتعلق به وتحبه وتقترب منه فتضيء ..


وسخر لنا كل شيء في هذا الكون العظيم فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان


رباه لقد كنا منقطعين في ظلمة اللاوجود فأوجدتنا بفضلك ومع ذلك شرنا يصعد للسماء وربنا الحليم بحلمه يمهلنا عل من تاه يعود إلى بيته من جديد يدق الباب معلنا التوبة ..!


يارب تلم شعث روحي تمتم الفتى فهو إن كان كذلك استطاع العمل إن تعلقت روحه بربه الواحد الأحد فقط دون الخلائق لسعد وأنس وانتشى


إذا تعلق القلب بمائة جهة فإنه يمزق أما إن تعلق بالله بالواحد الأحد وأحب كل ما يحبه فإنه يرتفع في اتجاه واحد فقط فيطمأن ويسكن!


"ألا بذكر الله تطمئن القلوب"


كم سنبلة في هذا الكون لم نزرعها بعد


وكم من طريق نور لم نعثر عليه بعد


وكم من كنز في بطون الكتب لم نستخرجه بعد فنذوق شهد التعلم والتفقه تساءل في سره ولمعت عيناه


ولازال الطفل الصغير يكبر ويحاول أن يفهم!

ليست هناك تعليقات:

واجب القراءة قفزة عباس في الهواء ستكلف فلسطين والحقوق الفلسطينية باهضا!

Study
View more documents from Bahrainpath