أدعوكم الآن أيها السيدات والسادة وأنتم تقرأون هذه الكلمات إلى إختيار مكان هادئ قدر الإمكان استعدوا لهذه الجولة الحية اطفئوا التلفاز خفضوا من صوت الراديو اطلبوا من أطفالكم ومن حولكم الجلوس هادئين للحظات توفقوا قليلا عن الحديث حول آخر احتياجات الأطفال أو آخر صيحات الموضة أو آخر أفلام البطلة الفلانية أو الممثل العلاني انسوا آخر مشاكل العمل وأوضاع البورصة والأرباح استعدوا وليستعد من حولكم وليرافقوكم في رحلتكم هذه ... نحن الآن على أبواب القطاع سندخل وسنطوف معا في رحلة حية هناك فهلموا بنا
سندخل إلى هناك وسويعات فقط تفصلنا قبل أن تتوقف موارد الحياة الرئيسية من مياه شرب وصرف صحي وثلاجات ومستشفيات ومواصلات وغيرها أي باختصار موت القطاع وإعلان تنفيذ حكم الإعدام الجماعي على مليون ونصف المليون فلسطيني:
أول محطة
أحمد .. محمد .. تامر ..أطفال صغار بعمر الزهور يرتدون زي رياض الأطفال التي ينتمي كل منهم لواحدة مختلفة منها والتي تبعد عن مناطق سكنهم كثيرا قد يستغرق المشي لها زهاء النصف ساعة! نراهم منذ الصباح الباكر يسيرون حاملين حقائبهم الصغيرة على ظهورهم طفل صغير يمشي على قدميه كل تلك المسافة ليلحق بروضته وليس وحده بل الشارع مليئ بأولئك الأطفال لماذا ياترى؟! نرى الآن طفلا يجفف دمعاته ووالدته تتوسل له أن يعود معها إلى البيت تعالوا نقترب منهم مالقصة؟القصة أن الحصار طال كل شيء حتى قهر الطفولة في قطاع غزة بمزيد من القهر نسمع الأم تروي صورة معاناتها وطفلها بسبب أزمة المواصلات فتقول "لقد ذهب في الأيام الأخيرة إلى الروضة مشيا على الأقدام الباص توقف عن المجيء لأنه لا يوجد وقود والمنزل يحتاج نصف ساعة مشيا لكي يصل طفلي إلى الروضة وهذا أنهك صحته ولا يكف عن البكاء".
من جانبهم أكد مدراء رياض الأطفال في قطاع غزة أن كافة الباصات التي تنقل الأطفال من وإلى الرياض توقفت بشكل كامل وأن عددا كبيرا من الأطفال حرموا من الذهاب إلى الرياض وبعضهم لم يستطع أن يكمل مشيه على الأقدام وعادوا إلى منازلهم وتوقفوا عن التوجه للرياض وهاهو التعليم الجامعي يلحق بالركب ويعلق الدراسة لعدم استطاعة الطلبة اللحاق بجامعاتهم!
في المستشفيات : مذبحة جماعية
في مستشفى الشفاء بغزة وقفنا سمعنا أنين الأطفال وصراخهم سمعنا بكاء وتوجعات المرضى سمعنا آهات الأهالي المكتومة وهم يشاهدون أعز مايملكون وأرواحهم تزهق أمام أعينهم بحبل تشده على رقابهم الدول العربية جنبا إلى جنب مع العدو الصهيوني والأمريكي
سمعنا صوت محمد الصغير طفل في العاشرة لا يستطيع الحديث أو التنفس إلا عبر جهاز خاص يساعده على ذلك محمد ووالدته ووالده يعملون أن نفاذ الوقود يعني انقطاع الكهرباء وانقطاع الكهرباء يعني سحب أنفاس محمد واحدة تلو الأخرى حتى يبقى جثة هامدة!
هكذا بوقف التغذية والوقود عن المستشفيات ستوقف مدها بالطاقة اللازمة لتشغيل الأجهزة الطبية وهذا يعني حالات وفاة جماعية للمرضى في أقسام العناية المركّزة ولأولئك الذين يعتمدون على أجهزة التنفس الاصطناعي وغسيل الكلى فضلاً عن حاضنات الأطفال الخُدّج
وهذا يعني أيضا انهيار كبير في الخدمات الصحية يعني موت آلاف الجرحى من الأطفال والنساء والشيوخ هم بحاجة إلى مغادرة القطاع لتلقي العلاج ويعني كذلك توقف المستشفيات في قطاع غزة عن إجراء العمليات الجراحية خاصة بعد أن نفد غاز "النيتروز"اللازم في التخدير عند إجراء كافة العمليات وعند الخروج وعند جدار المشفى من الخارج شاهدنا طفل صغير يخط بيده الصغيرة عبارة : "نجوع ونموت ولكن لن نركع"!
ماذا بعد "أحرار رغم الحصار"؟
هل تحولت الأخوة والإنسانية والغيرة والنخوة إلى مجرد شعارات واهية نرفعها لنضحك بها على أنفسنا؟! ماذا يعني أن إخواننا في غزة لازالوا بين فكي كماشة يتخطفهم الموت والجوع والحصار كل يوم! ماذا يعني أن مصر الدولة الشقيقة العربية المسلمة لازالت تحكم قطع الأوكسجين وسد جميع منافذ التنفس عنها فلا علاج للمرضى التي تقطع آهاتهم القلوب ولا أدوية ولا حتى فرش لأسرة المستشفيات!؟ماذا يعني أن يرابط موظف الجيش المصري ليل نهار على الحدود متربص بخطر قيام الجوعى والمرضى من قطاع غزة بكسر الحدود مرة أخرى؟! كسر الحدود خطر وأمن قومي خطير يستلزم أن تحتشد الدبابات المصرية في مشهد ليس له مثيل بينما تناور الجيوش العربية مع الجيش الأمريكي الصديق في ربوع بحر الخليج أو في قناة السويس!خطر أمني من أم عجوز تبحث عن كسرة خبز لولدها بينما يقول لها جارها المصري أو العربي موتي جوعا! وبصمت دون كلمة دون انتفاضة ودون آه !ماذا يعني أن تتفرج كل الدول العربية على غزة وهي تتقطع وتحتضر في مجاعة متعمدة مجاعة هي الأولى من نوعها التي صنعها شر البشر بأنفسهم وليس نتيجة التصحر أو الفقر ونقص الموارد الطبيعية لكننا عمدا نمنع الطعام عن إخواننا وفي يدنا فتح كل الحدود وفي يدنا مسح كل الدموع وفي يدنا وقف كل المهازل!!ماذا يعني أن ننفق آلاف الملايين على القنوات الغنائية بينما يئن أبناء غزة جوعا !؟هذا واقع كان أمامنا منذ ما يقارب العام نظمنا فعاليات تظاهرنا دخلنا غزة قدمنا مساعدات صلينا لكن إخواننا هناك بحاجة ماسة إلى شيء فوق كل هذا شيء عملي يثمر تغييرا على الأرض هم هناك على حافة الإنفجار تعالوا هنا نفكر لابد من حل ولابد من ألف وألف طريقة كيف ننقذ إخواننا في غزة ؟!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق