بعد مرور سنوات طوال
ها أنا أكتب إلى روحك من جديد
يا أيها الشهيد المتقبل بإذن الله عند ربه
ماذا نحكي لك عما جرى للأرض التي عشقت وما دار فيها من أحداث منذ ذلك اليوم وحتى اليوم
الأرض التي نذرت لها كل سني حياتك وكل لحظة تنفست فيها شهيقا وزفيرا كانت لها
كأننا نراك في الخلوات كيف تجلس صامتا متفكرا متأملا ترفض الواقع الذي يراد له أن يفرض وتعرف بفطرتك السليمة التي شربتها من المسجد منذ أن كنت طفلا ذا 4 سنوات أن تقاعس الناس وانتشار الفساد وسكوت العامة لا يعني أنه لا يوجد حل
لأن الله أكبر لأننا نعلم يقينا أن الله أكبر أكبر من ظلمهم أكبر من زنازينهم أكبر من خياناتهم أكبر من طغيانهم
عندما شاهدت الأشلاء المتمزقة بعد مجزرة الحرم الإبراهيمي أصابتك الدماء الحرى الزكية التي سفكت في أشرف بقعة وفي أشرف مكان وفي أشرف شهر وفي أشرف ساعة بجرح عميق جعلك لا تنام ولا تأكل حتى أخذت لهم بثأرهم
دماء المحراب أقسمت أنها لن تذهب سدى وأوفيت!
كنا قد نسينا معنى الوفاء بالعهود حتى كان عصرك
كنا قد نسينا أن الرجال لا تقول شيئا إلا وتنفذه حتى ظهرت
تعلمنا نحن جميعا فما فكرنا يوما في أمر غير أننا نريد دراسة التخصص الذي نحب أو ما هو متاح في السوق أو ما هو أصلح للمستقبل أو ما يدر مالا أكثر
لكنك درست وكانت كل ساعة مطالعة كل لحظة سهر وكل تعب وكل عرق وكل حفظ وكل امتحان جهادا وأجرا عظيما
فلقد درست من أجل فلسطين درست هندسة الكيمياء كي تهندس المستحيل كي تصنع من اللاشيء المتاح شيئا قويا صاعقا بقوة الله
يدمر الباطل ويزيحه بعيدا
ويشفي قلوب قوم مؤمنين
لم تفكر يوما في نفسك
كانت كل ذرة في كيانك وقفا لله ولفلسطين
أوقفت جوارحك وعقلك وقلبك ووقتك ليوم التحرير الذي حلمت به
أؤمن يقينا أن الإخلاص والتعامل بين العبد وربه يرفع العبد درجات ودرجات عن الناس لأنه عامل الله ولم ينظر إليهم
وهذا سر تفاوت القبول عند الناس على كوكب الأرض
كنت كتوما صامتا مخلصا لدرجة لا تصدق
فكانت جنازتك ملايين من الناس
هل رأيتم قبل ذلك
عرسا لشهيد يخرج فيه وطن بأكمله
وهذا الشهيد شاب بالكاد أصاب الثلاثين من عمره
فما لمعجزة التي جعلت كل تلك القلوب تتعلق بك
وما لذي قدمته فملكتهم يا أيها الشهيد
وبالله عليك لم أرى النساء تذرفن الدموع الغزيرات وتتمنين لو أنهن فدينك بأولادهن أجمعين!
ولماذا أرى الرجال تتسابق على لمس جسدك المسجى الذي يعانق عبارة لاإله إلا الله محمد رسول الله وعلم وطنك الذي عشقت
يا أيها الفارس الذي علمنا معنى المقاومة لقد زرعت في الشعب شيئا لا يمكن لأحد اقتلاعه
تماما كما عودتنا ..أنك تفي بالوعود وهذا ماقلته أنت
كما أنك قلت : ولسه الحبل عالجرار!
وتلك نبوءة صدقت أيضا
فهاهم إخوانك ومحبوك
لازالوا يذيقون المحتل ألوانا من العذاب
يسيرون على ذات الدرب
كما ولازال الخونة يا أيها الشهيد الحي موجودين يعيثون في الأرض فسادا كما كانوا وكما كانت لهم أيدي خبيثة في الدلالة على مكانك والمشاركة الكريهة البغيضة في ارتقائك شهيدا
فإنهم اليوم يحاولون قتل فلسطين الأم كلها
لكن هيهات
سيأتي يوم ينتفض الشعب كله
فشعب أنجب العياش وهنود والياسين لن يخيب فأله بإذن الله الواحد الأحد
وكأننا نرى في ابنك البراء جدك الأول
وفي يحيى الصغير
وفي دعوات أمك وصبر أبيك
وفي أرضك العاشقة رافات
رحمك الله أبا البراء
فطب نفسا يا أيها الشهيد المعلم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق