الجمعة، 24 أبريل 2009

مخيم ..


من وسط الأزقة المعتمة خرج يتمشى قليلا بعد أن كادت أنفاسه تتوقف من رائحة الحزن الأجوف الذي ملأ كل شيء ..هو ابن المخيم وهو يعرف جيدا ما لذي يعنيه هذا اللقب ..
أخذت خطواته تتسع وهو يمشي على غير هدى تسحبه أقدامه إلى حيث لا يعلم إلى حيث لا تصل إلى أذنيه عبارات الشكوى وأصوات اللعب بالكرة في الوحل أصوات نواح العمة أم غسان على ولدها الضائع إلى حيث لا تصل إلى أذنيه همهات العجائز في صباحات المخيم الرائقة حين يمصمصون الشفاه ويضربون كفا بآخر وهم يجولون في بيارات البرتقال والليمون ويصلون إلى موسم حصاد الزيتون حيث "حيف على تلك الأيام" يوم أن كانت أيام فقط قبل أن يكون الوطن ضائعا !
شعر أن الشمس تلفح وجهه هي إذن ظهيرة يوم الجمعة أفاق على نفسه وهو يعتلي التلة القريبة من المخيم من هنا يستطيع أن يبصر كل شيء يبدو المكان كلعبة التراكيب التي يتسلى بها الصغار والتي رآها خلسة في محلات البيع في المدينة وليست عندهم! يستطيع أن يستشرف من هنا كل أجزاء المخيم ببؤسها وعزتها! بصمودها وألمها ! بوجعها وبكل آه تطلقها الحناجر في سجود المساجد بكل أنة طفل وبكل ذكرى تحوم حول المكان فتعيد لها طيوفا من أرضهم المقدسة التي تسكنهم وتلوذ أرواحهم! من هنا يشاهد منارات المساجد تعلن الأمل رغم ظلال الوجع الذي يلف المكان ويرى النور الذي تضفيه حول المخيم .. من هنا يتعلم الأطفال أن هناك حقا يجب أن يعود من هنا نخرج بعد تأدية الصلاة ونحمل معنا قلوبنا وفيها شعور بالفخر بحجم الكون ونعلم أن يوم العودة ليست خرافة يتغنى بها الختيارية ومحبي الزجل وعالأوف!
تركت الشمس بصمتها على وجهه الأسمر الناحل فزادته تلويحا
أخذا عودا مرميا بالقرب منه وظل يرسم على الرمل بإتقان الكلمة التي يحب أكثر من أي شيء آخر والتي يستطيع من خلالها أن يرى ملامح الماضي وشفرة المستقبل ويستطيع أن يرى فيها الحقول والكروم وبيارات العنب وأغنيات الرمان والحنون وتتلون أصابعه وهو يكتب كل حرف منها بأحمر وأخضر وأسود وأبيض.. فلسطين هي إذن فلسطين وقد وصل النون بدمعة وابتسامة عز وتصميم على شفتيه!

ليست هناك تعليقات:

واجب القراءة قفزة عباس في الهواء ستكلف فلسطين والحقوق الفلسطينية باهضا!

Study
View more documents from Bahrainpath