تذكرت كلمات الدكتور إبراهيم حمامي ذكره الله بكل خير عندما وثق تجربته الفريدة الأثيرة في دخول غزة في سلسلة مقالات أذكر إحدى فقراتها جيدا حينما قال :
((كل هذه المشاعر والعبارات أعطتني زخماً حقيقياً للاستمرار والمواصلة في توثيق تجربتي، لكن استوقفتني ظاهرة لم اتوقعها، عندما كتبت كنت أنقل وبصدق وأمانة أحاسيسي وانفعالاتي كما هي، لامني أحد الأصدقاء بعد الجزء الأول لكثرة الدموع فيما أكتب، لأن الرجل الشرقي يعيبه أن يبكي!، رفضت تلك الفكرة، فالبكاء ليس عيباً ولا ينقص من رجولة أحد، بل أن دموعي كانت تسقط بعد أن تكحلت برؤية وطني وأهلي، لن أتصنع أو أخفي شيء، لكن الظاهرة كانت في كم الرسائل وحتى التعليقات التي يقر فيها أصحابها بأسمائهم ومناصبه أنهم ذرفوا الدمع، بل شرحوا بكائياتهم، لم أكن وحدي من بكى شوقاً وحباً للوطن، وأبداً لن تكون دموعنا نقيصة إلا في عقل العنتريات الزائفة.))
مناسبة التذكر شعوري أن ما أكتبه فيه من البكائيات الكثير كذلك لكن ربما عذري كعذر الدكتور أنها مشاعر صادقة عفوية تشعر فيها في لحظتها خاصة وأنت تقترب من حلم جميل أثير عزيز كمهجة القلب …. لا أستطيع التصنع أو استبدالها بشيء آخر غيرها رغم أنها قد تزعج البعض الأمر الآخر التطويل لا أريد أن أطول في حقيقة الأمر عندما نسقط ما حدث على أرض الواقع كان كل شيء كلمحة البصر السريعة التي تمر هكذا كالبرق عندما يلمع عنوة في السماء كالشهاب البعيد الذي يسقط فيحيل حلكة الليل إلى نهار ثم يعود كل شيء كما كان ظلام في ظلام .. لقد كان كل شيء كطرفة العين لكن معايشتنا للأحداث وما وقر في قلوبنا منها انعكاساتها علينا هي التي تجبرني على كتابة ما أكتب لا أريد أن أفصل لكنها هكذا تكون كذلك عفوية رغم أني أختصر وأختصر الكثير أحاول أن أثير فقط بعض النقاط التي قد تخرج بنا بدرس أو فائدة وأسأل الله أن أكون قد أفلحت ..
آخر اللحظات في قبرص كيف كانت
صباح السبت يوم عطلة هل يمر هكذا دون فائدة سوى الانتظار أم نجعل منه يوما فعالا فيه من الفائدة ما يشهد لنا لا علينا
حاولنا أن يكون اختيارنا الثاني فقررنا وعزيزتي كلثم أن نقوم بمجموعة مقابلات ننزل لبهو البيت سن فلور ولن أقول الفندق لنجد من من الرحالة على السفينة متواجد في بهو كبير فيه من الغادي والآتي وواجهته من الزجاج المفتوح المطل على الشارع الرئيسي فهو مكان مفتوح ثم نحاول ومعنا المسجلة أن نحصل منهم كل و قصته وبعض الأسئلة والأجوبة وكنا قد صورناهم صورا تمهيدا لعمل تقرير شامل بعد العودة لكنها للأسف كانت مما مسحته يد الإجرام
عندما نزلنا كان عدد قليل من المسافرين متناثرين بين الكراسي في الجهة اليمنى من البهو البعض يطالع الصحف والآخر منهمك بجهازه بدأنا حسب ما أذكر مع "آدري" وهي سيدة أمريكية متقدمة في السن قد تكون في الستينيات من عمرها بعد حديثنا معها عرفنا أنها محامية وأنها "يهودية" تنتقد بشدة السياسية الأمريكية وضد الصهاينة بالكامل وتحدثت عن حقوق الفلسطينيين في الحقيقة لازالت أحتفظ بتسجيل لقائها لكني لم أبيضه بعد أنا أسجل هنا اليوم كل شيء بطريقة غير ممنهجة حتى لا يطير مع الريح! ثم علي إن كتب الله لنا عمرا أن أرتبه وأنظمه وأعيد صياغته ربما في سلسلة مقالات مرتبة تحكي قصة كل رحالة من أولئك وتعرف به ولعلي أضيف المقال الجديد عن مقابلة آدري مع الملف الصوتي أنهينا لقائنا معها بصورة لها
كنا نفكر بمقابلة دافيد شمعون لا تستغربوا من الاسم فهذا يهودي آخر إيطالي لكنه من أشد المناصرين للحق الفلسطيني وهو صحفي رحال مثير للجدل كما قيل لنا نشر سلسلة مقالات تفضح المافيا في إيطاليا وتنشر مقالاته تلك في صحف مثيرة للجدل مهمتها فضح المجرمين والانتصار للمظلومين لذا فهو مطلوب في كثير من الأحيان لكن ظللت أجد في نفسي شيئا عليه من غير سبب ربما لم أتقبل اسمه "شمعون" هذا!! على كل لم نكلمه بكلمة ولم يرتحل هو معنا أصلا
انتقلنا بعدها للحديث مع تيريزا .. تيريزا هذه سيدة اسكتلندية طيبة جدا جدا وقوية جدا إنسانة إلى أبعد الحدود وهي كانت من طاقم السفينة لذلك لم نكن لنشاهدها كثيرا تيريزا هذه في الوقت نفسه مرحة ومبتسمة على الدوام جلست على الأرض بأريحية وهي تحدثنا وكانت على عجلة قالت على الذهاب بعد قليل للاجتماع وسأعود لأكمل معكم اللقاء وأذكر أنها أجابت على سؤالنا : كيف تعرفت على القضية الفلسطينية لأول مرة فقالت كان ذلك إثر حادثة ميونيخ أولمبياد ميونيخ فكان الانطباع لأول وهلة سلبي لكن بعدها أثارت فضولي الحادثة فبحثت وعرفت أن لهذا الشعب قضية ولأي مدى هو يعاني من الظلم والقهر والاحتلال ويجب أن يتحرر لفتت نظري قلادة حنظلة التي ترتديها تيريزا كثيرا ثم استأذنتنا لوجهتها التي ذكرت سابقا على أمل اللقاء بنا بعد ساعة بعد ذهاب تيريزا شعرنا بالراحة قليلا نحن ننجز على الأقل ونحاول أن نكون إيجابيين لا سلبيين كان المكان قد بدأ يخلو لأن الوقت تقريبا قد دخل على الظهيرة
ونحن ننتظر المزيد من الوجوه دخل رمزي ومعه رجلان لا نعرف من هويتهما .. وفي تلك الأثناء ومذ أول الرحلة ونحن قلقين على الصورة الغير واضحة لانطلاقة السفينة هل سنرحل أم لا خاصة بعد حادثة يوم الجمعة أحد الرجلين كان يبدو أنه محامي يحمل حقيبة أوراق وهاتف محمول ولا تتوقف اتصالاته بينما الآخر كان هادئا واثقا وبدا كأننا نعرفه من قبل .. بعد حديث هنا وهناك وواضح أن المجموعة كانت تتابع موضوع انطلاقة السفن صرخ الجميع بفرحة وكان دموع رمزي قريبة من النزول وكنا نسمع ونشهد الموقف وكلنا أمل أن نسمع من الأخبار ما يسعدنا لكن لا أحد تكلم .. أردنا أن نسأل رمزي لكننا ترددنا قليلا .. حينها جاءنا أحد الرجلين اقترب قليلا وقال السلام عليكم ثم بادرنا بقول ماذا ترون على وجهي
قلنا علامات الفرح!
قال : هو ذاك ستنطلقون بإذن الله
يالله!! كم كان الخبر في لحظتها سعيدا ارتبكنا لدرجة أني لا أذكر ماذا قلنا له وكيف شكرناه
لقد كان فينجاليس بازياس الرجل الطيب أستاذ الجامعة والبرلماني اليوناني وكانت تلك المرة الأولى التي نقابله فيها وما عرفنا أنه هو إلا بعد ذلك!
إذن الأمور آخذة في الإنفراج بحمد الله
وأعطانا ذلك من الزخم الكثير فواصلنا اللقاءات
كان اسماعيل الرجل من غينيا والذي يحمل الجنسية البريطانية يقابل مريد ماجكواير في الغرفة الداخلية فأخذنا منها موعدا بلقاء بعده ثم خرجنا للبهو مرة أخرى وشاهدنا بيتر إير يجلس قرب سينثيا ماكيني امرأة الكونجرس المرحة والتي تغني على الدوام ! يتصفح مقالا سلم علينا بالعربية السلام عليكم كونه كان يعمل في الإمارات قبلا وكان في البحرين كذلك لفترة فطلبنا منه أن يسمح لنا بطرح بعض الأسئلة عليه كالبقية فوافق دعوني ألخص لكم القليل عن كل من قابلناه بدل السرد المطول حتى يسهل عليكم معرفتهم
آدري | محامية أمريكية يهودية داعمة للقضية الفلسطينية ومناهضة للصهيونية حاولت المشاركة في سفن كسر الحصار أكثر من مرة فما أفلحت حتى الآن! |
تيريزا | إحدى فريق السفينة ناشطة سلام وعضوه في فري غزة فرع اسكتلندا شاركت مرات عديدة من قبل لديها خبرة في الاعتقال والركل والرفس! والإبعاد وتعرف كيف تتعامل مع هذه الحالات جيدا طيبة جدا |
بيتر آير | ناشط وباحث وصحفي لديه سلسلة مقابلات في الإذاعات ووسائل الإعلام المختلفة ومقالات وبحوث ويزور جامعات ومنتديات لنشر قضيته وفضح الإجرام الصهيوني والأمريكي والبريطاني على حد سواء هو بالمناسبة بريطاني الجنسية وهو في الستينات من عمره كذلك متأثر جدا بمدى بشاعة وخطورة أبحاث اليورانيوم والفسفور الأبيض ووسائل القتل الإجرامية الصهيونية وكانت العبرات تخنقه فيبكي وهو يشرح لنا بحوثه والتي كان من ضمنها مصادر الثروات في غزة والتي تعمل العصابات الصهيونية على سرقتها بالتعاون مع عباس ومصر ولهذا وقته الذي سأتكلم في ها بالتفصيل عن بحوث بيتر آير |
مريد ماجكواير | ناشطة سلام وعضو في مجوعة نسائية من مختلف الدول لنشر السلام إيرلندية حاصلة عى جائزة نوبل هادئة وديعة |
ثم جاء الدور على مريد وفرحت كثيرا للحوار الذي دار بينها وبين كلثم فقد سألت كلثم الأسئلة ذاتها التي سألتني إياها مبتدئة بمعلومات عنها أين تعمل وكم عمرها وماذا تحب ثم دخلت في نقاش عن السلام وما إلى ذلك
ففرحت من ردود كلثم الرائعة عليها والتي ترجمت لها أخلاقنا الإسلامية وقيمنا التي تحتم علينا نشر العدل وأن العدل يقتضي دفع الظلم والاحتلال في النهاية ظلم يجب أن يدفع وكانت تستمع وهي سعيدة بها وهذا ما قالته وقالت أنا معكم وأؤيدكم في كل كلمة!! طالت جلستنا كثيرا الوقت الآن بعد العصر بقليل فنزلت فاطمة تبحث عنا بدأ خبر انطلاقتنا ينتشر لكن كانت هناك أقوال عن عدم تمكن عدد من الركاب من السفر بسبب تأخر موعد الرحلة عما كان مقرر له ومنهم الأخوة من الكويت وعدد من الأجانب منهم آدري من جانب وآخرون سيتم استبعادهم لأن سفينة واحدة فقط هي التي ستنطلق دون غيرها من جانب آخر
على كل
أختم بيوم الأحد الأخير في قبرص المرة القادمة ومن ثم الانطلاقة المرتقبة إلى الحلم فجر الاثنين