السبت، 8 نوفمبر 2008

أزاهير مسك - الجزء الثاني


كم أحب هذه الأرض ... قالها شامل
نعم إن لها سحرا خاصا إنها أرض مؤمنة لا تروض وكلما حاول الإلحاد كسر إبائها ارتفعت قامتها أكثر وأكثر ومرغت كبريائه في الوحل ..أجابه مراد
ومع انتشار خيوط الشمس في كل مكان ومعانقتها للسحب في توليفة من الألوان الرائعة زينت بها السماء ارتفع صقر شامخ من الصقور القوقازية البنية اللون في السماء وسمع صوته كصفارة إنذار قصيرة
جفل أحمد .. أنظروا إلى الصقر يتجه نحو الجبال ..
شامل مازحا : إنه أنشط منك .. أنظر إليه يسابق الشمس في إشراقة كل يوم جديد
مراد : إنه قوقازي أصيل هل لاحظتم أنه يزيد من تحليقه لكنه لا يهبط إنه يتجه للأعلى ويبسط جناحيه في سمو
أحمد : إنتظر يا مراد .. ماذا قلت يا شامل أوتظن الصقر أنشط مني حقا يبدو أنك لا تعلم أن أحمد عندما كان صغيرا كان يسبق صقرك كل يوم وهذا الصقر الذي تدافع عنه كان ينظر إليه بحسد ويتمنى أن يهزمه يوما !
شامل : تعالوا يا جماعة واسمعوا الإمام أحمد يدعي أن الصقر يحسده هل جننت يا أخي؟! سأسقط على الأرض من الضحك يا سبحان الله
قبل أن تضحك اسمعني أولا ...
سأسمع سأمعك حتى لو هجم علينا الروس الآن اسمعك أولا ثم استشهد إذا أردت
أخذ أحمد نفسا وضاقت عينه وهو يرمق الأفق ويقول :
عندما سمعت صوته تذكرت تلك الأيام.. عندما كنت صغيرا في قرية غورني حينها كنت أرعى الغنم مع جدي في الشتاء كان يوقظني قبل الفجر كل يوم لأصلي معه
شامل مقاطعا : هل ستقص علينا حكايات الطفولة حتى تنسينا حسد الصقر لك
أحمد : انتظر سأكمل لك يا ثقيل
شامل : تفضل ...
وعندما يأتي الصيف كنت أصعد الجبل لأنضم إلى حلقة الإمام حمزة حيث يحفظنا القرآن وكانت قريتي في الوداي والحلقة في أعلى الجبل فتراني بعد صلاة الفجر على ظهر بغلة جدي ويزدوني بقليل من الطعام فأنطلق مباشرة حتى أصل على الوقت لأن الإمام حمزة يحب الإلتزام بالوقت وهكذا كنت أطوي الجبل فجر كل يوم وأتأمل هذا المنظر الجميل كما تشاهدونه الآن وعندما أصل إلى القمة يكون الصقر للتو في إثري ويرمقني بنظرة تحدي واحترام!
شامل : يا الله واحترام كذلك ، لابد أنه كان يرفع لك سلام تعظيم كذلك
ضحك الثلاثة بمرح وتعانق أحمد وشامل
مراد : أطلنا الكلام اليوم لقد ارتفعت الشمس هيا بنا لصلاة الضحى لدينا عمل شاق فاليوم معركة مرتقبة كما قال القائد ..

وفي طريق العودة كان الصمت هو السيد و انشغل الثلاثة في تسبيح الله
وظل أحمد في سره يراجع القرآن الذي حفظه في حلقة إمامه حمزة ويدعو له
وتذكر التجاعيد العتيقة في وجه جده حين يودعه ويوصيه فجر كل يوم : أحمد يا بني هذا القرآن الذي تحفظ أمانة عظيمة حتى نحافظ على وطننا وأرضنا من الروس يجب أن نتعاهده ونحافظ عليه فيحفظ الله لنا إيماننا .. رضى الله يا ولدي اجعله غايتك لقد استشهد أبوك والرصاص في صدره ولم يدر ظهره يوما للعدو فارفع رأسك

ارفع رأسك رددها أحمد كأنه يحاول ألا ينسى ...

كانت الأرض في طريق العودة في غاية الجمال وكأن شروق الشمس قد كشف جمالها الأسطوري الذي كان متخفيا تحت عباءة الليل .. تحت النور ترى نباتات خضراء يانعة تورق هنا وهناك وتحاول أن تكافح الثلج وتجد لها مكانا في هذه الحياة
كان قلب مراد يحتضن كل ما يراه ويرسل أشواقا كانت عيناه تدعو لوطنه وإخوانه أن يحفظهم الله ..أشرق محياه من جديد عندما شاهد إخوانه يتهيئون للتدريب بعد أن فرغوا من صلاة الضحى
وأنضم الرفاق الثلاثة للصفوف بسرعة وبدؤا عملهم....

نظر كل شيء في هذه الأرض بفخر لهذه الثلة المؤمنة مئة من الذين آمنوا أذاوقوا ألفا من الروس ألوان العذاب كان الروس يرتعدون ولم يكن السبب عواصف الشتاء التي تشتهر بها أرض الشاشان لكنه الخوف والهلع الذي يملأ قلوبهم .. جرت عدة معارك ماضية أذهلتهم
كان الرصاص لا يكاد يلحق بهم وهم يهربون من الأواريين البواسل لذلك استعد عشرة آلاف من الروس الصفر لهذا اليوم أرادوها معركة حاسمة

لم يتوقف الجنرال الروسي عن صب اللعنات على القيادة التي أرسلته إلى هذا الجحيم هو يحقد عليهم جميعا لماذا يموت هو هنا بينما يتمتعون هم بالدفء هو يعلم تماما أنهم يتاجرون باسم روسيا ويتاجرون كي تبقى الحرب مستعرة في الشيشان بقاء الحرب يعني استمرار الأموال التي تنهب من خزينة الدولة ويذهب نصفها في جيوبهم فضلا عن الأموا ل التي يحصلون عليها نظير صفقات الخيانة وبيع الأسلحة للأواريين الذين تمكنت مخابراتهم من خرق جيوش الروس بسهولة
خونة صرخ الجنرال في حنق وضرب بقبضته المنضدة التي أمامه لدرجة أفزعت العقيد ميندوف!

هل ستبقى هنا مدة طويلة صب الجنرال جام غضبه على العقيد

.............

ياأبله هل أكلم نفسي متى يحصد رأسك الأورايين ويخلصوني منك اغرب عن وجهي اذهب وتفقد الجنود وتأكد من وصول شحنة السلاح الجديدة !

ابتلع العقيد ريقه وظل ثواني دون حراك وهو يتخيل أنه فقد رأسه حقا على يد الأواريين تجمد الدم في عروقه ولم يتحرك إلا بعد أن جاءته ضربة من عصا الجنرال
تحرك يا جذع الشجرة !
حاضر سيدي !

انقسم صقور القوقاز في تدريبهم السابق إلى مجموعات وكان تقسيم المجموعات حسب حفظهم للقرآن الكريم فالمجموعة أ أو مجموعة الموت كانت من حفظة القرآن الكريم كاملا وهي التي توكل لها المهام المستحيلة عادة وكان أحمد عضوا فيها

وهناك من يحفظ ما بين الجزء والعشرة أجزاء وهناك ما بين العشرة والعشرين كل في مجموعة
وفي كل الكتائب هناك هجوم وميمنة وميسرة ودفاع وفرقة قنص وفرقة تقصي وقص للآثار
وشمل التدريب أمورا عدة تخفي هجمات وهمية كر وفر مصيدة للعدو
في كل يوم يشرح لهم القائد مسعود خطة جديدة يعجبون كيف توصل إليها
وفي كل يوم يزيد إعجابهم به أكثر
همس عبدالحميد لمراد : قائدنا ليس من البشر ! من أين يأتي بخططه لو قضيت عمري كله في التفكير في خطة كهذه لن أستطيع
رد عليه مراد : هس وما أدراك أنت إن للقائد عقلا كبيرا أكبر مني ومنك مجتمعين
أضحكت عبدالحميد الفكرة لو كانت العقول بالأحجام لكان حمدي أعقلنا فهو الأضخم
شعر الإثنان بالفخر والإمتنان للقائد وحمدا الله الذي ألهمه هذه الخطط
كانت خطة القائد تتمحور حول الغابة

يتبع ..

ليست هناك تعليقات:

واجب القراءة قفزة عباس في الهواء ستكلف فلسطين والحقوق الفلسطينية باهضا!

Study
View more documents from Bahrainpath