الأحد، 16 نوفمبر 2008

أزاهير مسك - الجزء الثالث






كانت خطة القائد تتلخص في حصر العشرة آلاف روسي في مصيدة الغابة
الأشجار في غابات الشيشان طويلة وضخمة وشائكة لدرجة يمكنها حمل أكثر من مقاتل أواري عليها
يبدأ القتال بهجوم مباغت من فرقة الكر والفر هجوم سريع ومن ثم انسحاب إلى الغابة وهناك يبدأ فصل جديد من الخطة سيذوق الروس الجحيم في هذه الغابة ولن يتعرفوا أبدا من أين وكيف تأتيهم الرصاصات تم تقسيم الجند حسب رؤية القائد للمعركة وقدرات كل منهم بحيث أن كل مجاهد أواري سيكون مسؤلا عن إحدى الأشجار ويستقر فوقها وأحيانا يكون هناك مجاهدين متجاورين
كانت رائحة الأوراق في الغابة تنذر أن هناك شيء قريب هنا سيحدث!

استمع السبعون مقاتل أواري لتعليمات قائدهم وهو يشرح تفاصيل العملية وكأن الطير على رؤوسهم وشاهدوه بانتباه شديد وهو يرسم بعض مشاهد المعركة بعصا طويلة في يده على التراب الناعم
وعندما انتهى القائد مسعود من الشرح لتوه كان مندوب فرقة التقصي قد وصل وصدره يعلو ويهبط بانفعال من الركض وقف على بعد عدة أمتار وكأنه ينتظر القائد أن يأذن له بالحديث
تعال يا بني اجلس وارتح قليلا لقد مشيت كثيرا
أنا بخير يا إمام
هات ما عندك إذن
لقد صدق حدسك يا إمام إمدادات السلاح إختارت الطريق الجبلي الأصعب كي تصل إلى الروس وقد ظنوا أنهم بهذه الطريقة يموهون علينا
أحسنت يا بني ، تبدو شاحبا اشرب بعض الماء
حفظ الله الإمام ، لقد تبينا عددهم وحصلنا على المعلومات التي أردت
أطرق الإمام رأسه فترة وانعقد جاجباه الطويلان معلنينن انهماكه في تفكير عميق
إبراهيم
حاضر ياإمام
اذهب مع عبدالحميد وخذوا معكم فرقة خاصة أئتونا بهذا السلاح أو امنعوا وصوله بأي طريقة
انطلق المندوب على فوره إلى عبدالحميد الذي شعر بالفخر لثقة الإمام به وانطلق على رأس مجموعته لتنفيذ هذه المهمة الصعبة
حفظكم الله هتف القائد مسعود

كان كل ذلك والوقت لايزال عصرا وبدأ الأواريين في تنفيذ خطة قائدهم وأخذ مواقعهم على الأشجار في الغابة ..

ارتفع حاجبا مراد وتهلل وجهه وهو يشاهد القادم
أهلا وسهلا بالشخص الوحيد في هذا العالم الذي يكن له الصقر كل الحسد والإحترام!
ضحك أحمد في مرح : أرأيت ها نحن نتجاور من جديد
المهمة صعبة هذه المرة يا شيخ أحمد
الله الكريم سيمدنا بعونه ألم تسمع صباح اليوم حفيف الأشجار وخرير الماء لقد كان كل شيء في هذه الأرض يجثو ويبتهل لله القهار الجبار أن ينصر عباده ويزيل الظلم والظلام


أولا الصقر والآن الماء والأشجار ما أنت يا شيخ أحمد؟ شيخ أم شاعر أم فيلسوف؟
أنا كلهم مجتمعين ..
قلب المؤمن يا بني يرى بنور الإيمان مشاعر المخلوقات الأخرى ويحس بها
أصبحت ابنك الآن .. لا إله إلا الله ..
شعر مراد في سره أنه محظوظ لأن الشيخ أحمد هو جاره في المعركة
لا وقت لحديثك الآن هيا بنا نحتاج لكمية كبيرة من الأوراق والحشائش لنموه وجودنا
وانهمكا في العمل من جديد

في تلك الأثناء كان عبدالحميد وفرقته قد تمكنوا من تحقيق انتصار كبير في الطريق الجبلي
حصل المجاهدون على كل إمدادات السلاح وأسروا 5 من الروس وتوزع الباقين بين هارب وقتيل في المعركة ..وصلت الأنباء إلى الجنرال سيرجي في مقر القيادة الروسية فاستشاط غضبا
وأخذ يرغي ويزبد ويتوعد لم يسلم أحد من سيل الشتائم التي أطلقها حتى الرئيس الروسي نفسه! وشعر العقيد ميندوف بالحرج الشديد لتحمله وحده كل هذه اللعنات حتى تهدأ فورة الجنرال
كانت الضربة بفقدان شحنة السلاح قوية أكبر من قدرة الجنرال على التحمل فبعد كل ذلك المسلسل الطويل من المفاجآت على هذه الأرض تأتي هذه الأخيرة قاصمة خاصة وأن الجيش على وشك الدخول في معركة فاصلة مع الأواريين! لقد ظن أنه قادم في نزهة لن يلبث أن يعود منها ورأسه مرفوعة وصدره مليئ بالنياشين والأوسمة والأهم من كل ذلك ستكون جيبه ممتلئة بما يهفو له قلبه من المال والذهب! إن كل شيء يتبخر هنا إن كل ما يخطط له يصبح مجرد سراب هذه الأرض أرض جن وليست للبشر!
وضع الجنرال كلتا يديه على وجهه وشعر العقيد ميندوف أن اليوم سيحمل المزيد من المصائب
هل نؤجل الهجوم الكبير يا سيدي!
لا تسمعني صوتك مرة أخرى ، بل سنهجم 10 آلاف مقاتل روسي لن يعدموا الوسيلة للقضاء على تلك الغربان العنيدة كم عددهم مئة مئتان ستكون نهايتهم على أيدينا اليوم
اذهب واجمع الجند
ردد العقيد في سره : بل نهايتنا وصرخ بأعلى صوته حاضر سيدي!

انتهى أحمد من الحفر على الشجرة الخاصة بمراد كان يحني ظهره منذ نصف ساعة تقريبا وينحت مستخدما تلك الآلة الحادة في قبضته اليمنى ورائحة الخشب تنتشر مع كل خط جديد يرسمه مسح حبة عرق عن جبينه تسللت رغم البرد خلسة وهتف
ها ما رأيك الآن؟!
جميلة يا شيخ أحمد لقد نحت اسمي هنا باللغة العربية
لكن لماذا هذا الشكل
Б
ألا تعلم إنه القمر باللغة الشيشانية القديمة؟
ولماذا قمر ؟
قلبك كالقمر يا مراد
يا أخي أنا لا أتحمل هذا الكلام ما كل هذه الرقة واللطف يا شيخ أحمد
إن لهذه الشجرة اليوم شأنا عظيما سأذكرك
طيب يا فيلسوفي العزيز ، هل يمكن أن أستأذنك بتنحية الفلسفة جانبا الآن واسمعنا بضع آيات من القرآن الحبيب إلى قلوبنا لعلها ترق وتذرف الدموع من خشية الله
أحتاج إلى شحنة كبيرة كي احمل على أعداء الله حملا شديدا اليوم
بكل سرور وبدأ الشيخ أحمد في التلاوة قرأ سورة يس ورددت معه أوراق الشجر وحبات التراب في خشوع

كان الصمت سيد الموقف ولا تكاد تسمع شيئا غير صوت الريح وهمهمات بسيطة من القائد مسعود يوجه المجاهدين ويوصيهم وكانت الغابة التي تشتعل حماسا قبل قليل هادئة كالشبح الآن..
كان القائد مسعود يعلم تماما أن الجنرال تعيس الحظ سيأتي من ذلك الطريق فاستعد جيدا ووزع فرقته على نحو يكون عنصر المفاجأة فيه قاتلا للروس في البضع دقائق الأولى المباغتة لن يتبين فيها المحتل فارق العدد هذه المفاجأة المفزعة تعمل عملها في رؤوس الروس وتمنى القائد أن تكون تلك الرؤوس في الهجوم الأول فوق الألف! ولم يغب عن بال الإمام توظيف وسائل مساعدة فاستخدم حجر الجرانيت المدبب وأخشاب الأشجار الحادة وصنع منها سكاكين وخناجر تعمل عملها في المعركة فإن لم تقتل فهي تؤخر وتعطل وتؤلم كما وصنع حرابا طويلة تعطب الآلات والمدافع أما أحمد ومراد فكانا ضمن مجموعة حماية ظهر القائد

وفي تلك الأثناء كان عبدالحميد يحث السير بقافلة السلاح ويحاول أن يستكشف طرقا مختصرة تسرع به الخطى وتختصر المسافات كان يريد أن يطوي الأرض ليصل إلى إخوانه قبل أن تنتهي المعركة هذا المدد سيساعدهم كثيرا ورغم أن المعركة التي خاضها مع الروس لم تكن سهلة إلا أنهم لم يرتاحوا أبدا ولم يتوقفوا حتى لتناول قليل من الزاد فكان الهدف غابة بيش حيث المعركة وكان الروس الأسرى الخمسة بركبون الخيول وكأنهم جزء من الفرقة بينما اضطر إثنان من الأواريين أن يمتطوا ظهر فرس واحدة حتى يتمكن الأسرى من الركوب جميعا! وفهم الروس ذلك رغم جهلهم باللغة الشيشانية
هؤلاء القوم غريبون ! همس أحدهم
لو كان الوضع معكوسا لعلقناهم بالحبال في ظهور الخيل وقطعنا بهم كل تلك المسافة على هذه الحال
يا رجل هذا إن لم يقطعهم الجنرال إربا من فوره!
إنظر إلى محمود هذا أو أيا كان اسمه الذي يأتينا بالطعام اقطع يدي لأعرف لماذا يبتسم لنا هذه الإبتسامة العذبة كل مرة
إنهم لا يكرهوننا أو هكذا يبدو
لا تكن مجنونا إذن لماذا قتل رفاقك في المعركة من فرط المحبة
لأننا كنا نود قتلهم
أرى أنك بدأت تميل لهم
صمت ..
في الحقيقة كان الرجل قد بدأ فعلا يميل إلى هؤلاء القوم الطيبين أو على الأقل يكن لهم كل الإحترام
ومع أول ساعة بعد العشاء كان عبدالحميد قد وصل إلى أطراف الغابة
صوت الرصاص يصم الأذنين
وأنوار المدافع تحيل الظلام إلى نهار
خفق قلبه بشدة ماذا جرى لإخوانه يا ترى؟
أرخى سمعه نعم أصوات الكلاشنكوف تشير إلى أنهم بخير فهي لازالت قوية ثابتة تغرد ترانيم التضحية الفداء
سجد شكرا لله

ليست هناك تعليقات:

واجب القراءة قفزة عباس في الهواء ستكلف فلسطين والحقوق الفلسطينية باهضا!

Study
View more documents from Bahrainpath