السبت، 10 أكتوبر 2009

ذات فجر عانقت بها وطن

5

كانت الأجمل، والأكثر سحراً... رغم وحدتها، وكأنها تستمد من عقارب الوقت الذي يحفر في قلبها بصمت، جمال لا مرئي... يزداد توهجاً رغم تجاعيد محياها

كانت الأكثر حزناً... وألمها يصرخ بصمت لا يتوقف، لم نسمعه يوماً... لكن رغم ذلك لا تبكي، لا تشتكي لا تيأس، تصر على أن تبقى لكي نبقى، هي المقدسة التي حملت بين أحشائها دمنا المقدس، لنبقى تحت أضواء الذاكرة، رافضة لكل مشاريع النسيان، هي أمنا الأولى التي أنجبتنا منذ البدء، هي أمنا الأخيرة التي تقاوم كل محاولات اغتيالها لتحرسنا بظلالها حد الأبد. 

هي سهم النور الذي يكسر جدران عتمتنا لتمنحنا فسحة من حياة، وتواشيح أغنية الأجداد المخبئة بين قشورها، هي وصية وطن وملامحه وهيبته وحزنه. الذي يأبى الانكسار ويصر على أن تبقى جذوره في أعماق الأرض.. كما هي.

هي الصامدة على حدود النار

الشامخة فوق الخيبات

الرافضة لكل الانحناءات

سرنا...رائحتنا... جمالنا، شريان حياتنا

رحمنا الخصب الذي أنجب عبر سنوات القحل الممتد على خريطة الوطن العربي براعم الحياة والأمل الأكثر جمالية، هديتنا السماوية، وأيقونتنا الإلهية المقدسة، ذات السحر الغامض الذي يتسرب إلينا لتمدنا بجينات سلالة الأجداد الكنعانيين.

هي الشهيدة والشاهدة على جرح يقاوم جبروت الرياح، الواقفة أمام العتاة والطغاة... الذين عبروا غرباء ضعفاء رغم وحشيتهم لتصمد ببراءتها.

إنها الباقية وهم العابرون

إنها الثابتة وهم المتغيرون

الصامدة وهم المنكسرون

العزيزة الكريمة الطيبة ...

هي عرق العمر، وتعب الدهر... ووصية سرية نرثها ونورثها بكل ما في قلوبنا من دمع، وكل ما تحمله عيوننا من غضب، وكل ما علق بأيدينا من دماء.

هي ملحمتنا التي بدأت ولم تنتهِ، التي كتبنا بها وعليها كل الأساطير التي لا تتكرر والأغنيات التي لا تنسى، وحقيقتنا الأولى التي تبدأ من التراب وتنتهي به، نعم هي الأجمل... ثمة أشياء أكثر من رائعة حولنا لا ندركها سوى في لحظات جنون، وثمة أشياء تمنحنا كل ما نفقده من حنين وأمومة وتاريخ في لحظة عناق تختزل كل مآسي العمر وخيباته بلحظات.

نعم ثمة... شجرة زيتون أعرفها، تلامس حدود السماء، وتحتضن ذرة التراب الأولى، تلبس ثوب الأرض، وتحتفظ بأول الذكريات وأول الأوطان، وأول الدماء وأول الشهداء.

نعم ثمة شجرة زيتون... تحمل في رحمها لغز الكون وسر الحياة، تكتشفه ذات وقت...ورائحة التراب المغسول للتو بحبات المطر يملأ حواسك، ويتسرب لمساماتك ويلفح ذاكرتك بالبدايات.

نعم ثمة شجرة زيتون ... تصبح أما وقضية وشعباً وعشقاً، وأنت تعانقها ذات فجر باحثاً عن كل ما فقدته من وطن ذات عمر.

 

 

 منشورة في موقع فلسطين للثقافة

باسم الكاتب أحمد ملحم - الضفة المحتلة

ليست هناك تعليقات:

واجب القراءة قفزة عباس في الهواء ستكلف فلسطين والحقوق الفلسطينية باهضا!

Study
View more documents from Bahrainpath